سورة آل عمران - تفسير تفسير البغوي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (آل عمران)


        


قوله تعالى: {رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا} أي ويقول الراسخون: ربنا لا تزغ قلوبنا أي لا تملْها عن الحق والهدى كما أزغت قلوب الذين في قلوبهم زيغ {بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا} وفقتنا لدينك والإيمان بالمحكم والمتشابه من كتابك {وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ} أعطنا من عندك {رَحْمَةً} توفيقا وتثبيتا للذي نحن عليه من الإيمان والهدى، وقال الضحاك: تجاوزًا ومغفرة {إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ}.
أخبرنا أبو الفرج المظفر بن إسماعيل التميمي، أنا أبو القاسم حمزة بن يوسف السهمي، أنا أبو أحمد بن عدي الحافظ، أنا أبو بكر بن عبد الرحمن بن القاسم القرشي يعرف بابن الرواس الكبير بدمشق، أنا أبو مسهر عبد الأعلى بن مسهر الغساني، أنا صدقة، أنا عبد الرحمن بن زيد بن جابر، حدثني بشر بن عبيد الله قال: سمعت أبا إدريس الخولاني يقول: حدثني النواس بن سمعان الكلابي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما من قلب إلا وهو بين أصبعين من أصابع الرحمن، إذا شاء أن يقيمه أقامه وإن شاء أن يزيغه أزاغه» وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك، والميزان بيد الرحمن يرفع قوما ويضع آخرين إلى يوم القيامة».
أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي، حدثنا أبو بكر أحمد بن الحسن الحيري، أنا حاجب بن أحمد الطوسي، أنا عبد الرحيم بن منيب، أنا يزيد بن هارون، أنا سعيد بن إياس الجُريري عن غنيم بن قيس عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مثل القلب كريشة بأرض فلاة تقلبها الرياح ظهرا لبطن».


قوله تعالى: {رَبَّنَا إِنَّكَ جَامِع النَّاسِ لِيَوْمٍ} أي لقضاء يوم، وقيل: اللام بمعنى في، أي في يوم {لا رَيْبَ فِيهِ} أي لا شك فيه، وهو يوم القيامة {إِنَّ اللَّهَ لا يُخْلِف الْمِيعَادَ} مفعال من الوعد.
قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ} لن تنفع ولن تدفع {عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللَّهِ} قال الكلبي: من عذاب الله، وقال أبو عبيدة من بمعنى عند، أي عند الله {شَيْئًا وَأُولَئِكَ هُمْ وَقُود النَّارِ}.
{كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ} قال ابن عباس رضي الله عنهما وعكرمة ومجاهد: كفعل آل فرعون وصنيعهم في الكفر والتكذيب، وقال عطاء والكسائي وأبو عبيدة: كسنة آل فرعون، وقال الأخفش: كأمر آل فرعون وشأنهم، وقال النضر بن شميل: كعادة آل فرعون، يريد عادة هؤلاء الكفار في تكذيب الرسول وجحود الحق كعادة آل فرعون، {وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} كفار الأمم الماضية؛ مثل عاد وثمود وغيرهم {كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَأَخَذَهُم اللَّهُ} فعاقبهم الله {بِذُنُوبِهِمْ} وقيل نظم الآية: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ} عند حلول النقمة والعقوبة مثل آل فرعون وكفار الأمم الخالية أخذناهم فلن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم {وَاللَّه شَدِيد الْعِقَابِ}.
قوله تعالى: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ} قرأ حمزة والكسائي بالياء فيهما، أي أنهم يغلبون ويحشرون، وقرأ الآخرون بالتاء فيهما، على الخطاب، أي: قل لهم: أنكم ستغلبون وتحشرون. قال مقاتل: أراد مشركي مكة معناه: قل لكفار مكة: ستغلبون يوم بدر وتحشرون إلى جهنم في الآخرة، فلما نزلت هذه الآية قال لهم النبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر: «إن الله غالبكم وحاشركم إلى جهنم».
وقال بعضهم المراد بهذه الآية: اليهود، وقال الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس رضي الله عنهما: إن يهود أهل المدينة قالوا لما هزم رسول الله صلى الله عليه وسلم المشركين يوم بدر: هذا- والله- النبي الذي بشَّرَنا به موسى لا ترد له راية، وأرادوا اتباعه، ثم قال بعضهم لبعض: لا تعجلوا حتى تنظروا إلى وقعة أخرى، فلما كان يوم أحد ونكب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم شكوا فغلب عليهم الشقاء، فلم يسلموا، وقد كان بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد إلى مدة فنقضوا ذلك العهد وانطلق كعب بن الأشرف في ستين راكبا إلى مكة ليستفزهم، فأجمعوا أمرهم على قتال رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله تعالى فيهم هذه الآية.
وقال محمد بن إسحاق عن رجاله ورواه سعيد بن جبير وعكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما أيضا: أنه لما أصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قريشا ببدر ورجع إلى المدينة جمع اليهود في سوق بني قينقاع وقال: «يا معشر اليهود احذروا من الله مثل ما نزل بقريش يوم بدر وأسلِموا قبل أن ينزل بكم مثل ما نزل بهم فقد عرفتم أني نبي مرسل تجدون ذلك في كتابكم» فقالوا: يا محمد لا يغرنك أنك لقيت قوما أغمارا لا علم لهم بالحرب فأصبت منهم فرصة وإنا والله لو قاتلناك لعرفت أنا نحن الناس، فأنزل الله تعالى: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ} تهزمون {وَتُحْشَرُونَ} في الآخرة {إِلَى جَهَنَّمَ} {وَبِئْسَ الْمِهَادُ} الفراش، أي بئس ما مهد لهم يعني النار.


قوله تعالى: {قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ} ولم يقل قد كانت لكم، والآية مؤنثة لأنه ردها إلى البيان أي قد كان لكم بيان، فذهب إلى المعنى.
وقال الفراء: إنما ذُكِّرَ لأنه حالت الصفة بين الفعل والاسم المؤنث، فذكر الفعل وكل ما جاء من هذا النحو فهذا وجهه، فمعنى الآية: قد كان لكم آية أي عبرة ودلالة على صدق ما أقول أنكم ستغلبون. {فِي فِئَتَيْنِ} فرقتين وأصلها فيء الحرب لأن بعضهم يفيء إلى بعض {الْتَقَتَا} يوم بدر {فِئَةٌ تُقَاتِل فِي سَبِيلِ اللَّهِ} طاعة الله وهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وكانوا ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا سبعة وسبعون رجلا من المهاجرين، ومائتان وستة وثلاثون من الأنصار، وصاحب راية المهاجرين علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وصاحب راية الأنصار سعد بن عبادة، وكان فيهم سبعون بعيرا وفرسان فرس للمقداد بن عمرو وفرس لمرثد بن أبي مرثد وأكثرهم رجّاله وكان معهم من السلاح ستة أدرع وثمانية سيوف.
قوله تعالى: {وَأُخْرَى كَافِرَةٌ} أي فرقة أخرى كافرة وهم مشركو مكة وكانوا تسعمائة وخمسين رجلا من المقاتلة رأسهم عتبة بن ربيعة بن عبد شمس، وفيهم مائة فرس وكانت حرب بدر أول مشهد شهده رسول الله صلى الله عليه وسلم {يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ} قرأ أهل المدينة ويعقوب بالتاء يعني ترون يا معشر اليهود أهل مكة مثلي المسلمين وذلك أن جماعة من اليهود كانوا حضروا قتال بدر لينظروا على من تكون الدائرة فرأوا المشركين مثلي عدد المسلمين ورأوا النصرة مع ذلك للمسلمين فكان ذلك معجزة وآية، وقرأ الآخرون بالياء، واختلفوا في وجهه: فجعل بعضهم الرؤية للمسلمين ثم له تأويلان أحدهما يرى المسلمون المشركين مثليهم كما هم، فإن قيل: كيف قال: مثليهم وهم كانوا ثلاثة أمثالهم؟ قيل: هذا مثل قول الرجل وعنده درهم أنا أحتاج إلى مثلي هذا الدرهم يعني إلى مثليه سواه فيكون ثلاثة دراهم والتأويل الثاني- وهو الأصح- كان المسلمون يرون المشركين مثلي عدد أنفسهم، قلَّلهم الله تعالى في أعينهم حتى رأوهم ستمائة وستة وعشرين ثم قللهم الله في أعينهم في حالة أخرى حتى رأوهم مثل عدد أنفسهم. قال ابن مسعود رضي الله عنه: نظرنا إلى المشركين فرأيناهم يضعفون علينا ثم نظرنا إليهم فما رأيناهم يزيدون علينا رجلا واحدا. ثم قللهم الله تعالى أيضا في أعينهم حتى رأوهم عددًا يسيرًا أقل من أنفسهم قال ابن مسعود رضي الله عنه حتى قلت لرجل إلى جنبي: تراهم سبعين؟ قال: أراهم مائة قال بعضهم: الرؤية راجعة إلى المشركين يعني يرى المشركون المسلمين مثليهم قللهم الله قبل القتال في أعين المشركين ليجترئ المشركون عليهم ولا ينصرفوا فلما أخذوا في القتال كثرهم الله في أعين المشركين ليجبنوا وقللهم في أعين المؤمنين ليجترؤوا فذلك قوله تعالى: {وإذ يريكموهم إذ التقيتم في أعينكم قليلا ويقللكم في أعينهم} [44- الأنفال].
قوله تعالى: {رَأْيَ الْعَيْنِ} أي في رأي العين نصب بنزع حرف الصنعة {وَاللَّه يُؤَيِّد بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاء إِنَّ فِي ذَلِكَ} الذي ذكرت {لَعِبْرَةً لأولِي الأبْصَارِ} لذوي العقول، وقيل لمن أبصر الجمعين.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8